الانتخابات النيابية العراقية ٢٠٢٥: مؤشرات تقاسم النفوذ ومسارات اعادة تشكيل السلطة

الانتخابات النيابية العراقية ٢٠٢٥: مؤشرات تقاسم النفوذ ومسارات اعادة تشكيل السلطة
بعد اجراء الانتخابات البرلمانية العراقية في ١١ تشرين الثاني ٢٠٢٥ برزت قراءات كثيرة لمجريات هذه الانتخابات ونتائجها، لكن اهم ما يمكن ان نركز عليه في هذه الورقة البحثية بعيدا عن النتائج والارقام وعدد المقاعد لهذا التحالف او ذاك، هو تحديد المؤشرات والمسارات التي رافقت هذه الانتخابات وما سينتج عنها وكالاتي:

اولا/ المؤشرات: ممكن تحديد الملامح الرئيسة لهذه الانتخابات وفقاً للآتي:

١- المشاركة وشرعية الانتخابات: ان الاستحقاق الانتخابي افرز تصاعد نسبة المشاركة بشكل ملحوظ رغم التحفظات على طريقة الاحتساب، وسرعة ودقة اعلان النتائج دون طعون قوية او تشكيك بنزاهة الانتخابات او حرق الصناديق وغيرها من التبعات السلبية التي شهدتها معظم الانتخابات السابقة وهذا مؤشر ايجابي شرعي لهذه الانتخابات، رغم ان هذه النسبة احتسبت من مجموع الناخبين المحدثين لبطاقاتهم البايومترية مع تفاوت مناطقي في نسب المشاركة والمقاطعة ما يعزز وجود تراجع نسبي بثقة الناخبين بالانتخابات في منطقة دون أخرى وهكذا.

٢- نفوذ القوى التقليدية: ان العملية الانتخابية، رغم اجرائها في ظروف اكثر استقراراً وشفافية لكن ما تزال العملية الانتخابية التي شهدناها تدور في اطار مغلق تتحكم به احزاب النفوذ التقليدية مع بروز ترشح اصحاب رؤوس الاموال والتجار ورجال الاعمال وشيوخ العشائر ما يؤشر بروز استخدام المال السياسي لشراء الاصوات والمواقف بشكل غير مسبوق، مع بقاء اليات النفوذ والمحاصصة والتقاسم، التي تحول الانتخابات الى محطة تقليدية تمنح شرعية جديدة لتوازنات قائمة مسبقاً، وبالنهاية المدخلات الجديدة لم تحقق الفوز والقوى التقليدية الحزبية والسياسية هي التي فازت.

٣- فائض المرشحين وضعف البرامج الانتخابية: فوجود اكثر من ٧٧٠٠ مرشح اغلبهم بلا برامج واضحة واعتماد كياناتهم على شعارات طائفية او بروبوغندا غير واقعية، مع حملات انتخابية دعائية مبالغ فيها اعتمدت على الوجاهة والارتباطات المحلية وليس على خطط اصلاح اقتصادي او امني او سياسي، ما جعل المنافسة اقرب الى توزيع المواقع وليس تنافسا انتخابياً.

٤- مزاج الناخبين: ان شرائح واسعة من العراقيين المقاطعين او الذين عزفوا عن المشاركة نظروا الى هذه الانتخابات بانها شكلية لا تغير من الواقع (تنتخب او لا تنتخب نفس الشيء)، رغم انها اقصت ٢٤٠ نائب من الدورة الخامسة وثلاث وزراء من الحكومة الحالية ورئيس مجلس النواب محمود المشهداني، ولم يفز كل شيوخ العشائر تقريباً، واغلب اصحاب رؤوس الاموال وهذا يؤكد ان التعبئة الانتخابية انتصرت فيها القوى السياسية التقليدية.

٥- ظواهر سياسية جديدة: أهمها عرفت باسم "الركائز الانتخابية" "وانتشار شبكات شراء الأصوات" وهذا مؤشر خطير واقعي، سيعمل على انتاج فجوة اضافية بين الفاعل السياسي والناخبين وسيكون له تداعيات بعد الانتخابات مع تزايد الاعتماد عليه في اي انتخابات قادمة وفق قاعدة (لكل صوت ثمن) فضلاً عن استخدام ادوات وموارد الدولة للخدمة الانتخابية وتوزيع وعود خدمية مقابل التصويت.

٦- نفوذ القوى المسلحة: استمرار نفوذ القوى المسلحة داخل النظام السياسي وتجديد شرعيتها وتزايد اصواتها الانتخابية، وهذا يؤشر مايلي:

-   ان القوى المسلحة المرتبطة باحزاب سياسية اعادت انتاج نفوذها ليس من خلال القوة بل من خلال مرشحين يمثلونها داخل القوائم.

-   ان استخدام القوة الناعمة والادارة المناطقية للسيطرة على البيئة الانتخابية شكل عاملاً مهماً في توجيه واستقطاب اصوات الناخبين.

-      تنافست هذه الفصائل على المساحات الانتخابية نفسها ما يؤشر محاولة كل فصيل تحقيق حصته المستقلة ومعرفة وزنه داخل البرلمان لتسهيل اجراءات مابعد الانتخابات.

-   غياب التنسيق السياسي، ووجود بؤر التوتر فيما بينها، وهذا يؤشر عدم انسجامها، رغم انها تعتمد على التنسيق العقائدي فيما بعد.

-   الفصائل لم تتنافس كقوى برامجية، بل كشبكات أيديولوجية انتمائية، فكل فصيل استنفر متطوعيه وجمهوره وقواعده الفصائلية وفقاً لذلك.

-   ان التداخل بين الامن والسياسة ما يزال عاملاً يؤثر على طبيعة التصويت والمشاركة السياسية؛ اي ان التصويت الخاص بات مسار انتخابي ضامن وحتمي لنجاح هذه القوى في اي انتخابات قادمة.

٧- التفاوض اهم من النتائج: ان ما جرى في هذه الانتخابات لا يغير المعادلة النهائية، لان التفاوض الذي يلي النتائج هو الذي يحدد شكل الحكومة، وليس عدد المقاعد والاصوات فقط، كونها محسومة ومعروفة ومتوقعة سلفاً.

 

ثانياً/ المسارات: من الممكن استقراء المسارات التالية لمخرجات الانتخابات النيابية وكالاتي:

١- إعادة انتاج السلطة: سرعة اعلان الاطار التنسيقي على انه الكتلة الاكبر وانضمام تحالف  السوداني "الاعمار والتنمية" للإطار، يؤكد ان الانتخابات لم تكن عملية تنافس انتخابي، بل هي في جوهرها اعادة انتاج لهيكل السلطة عبر ما يشبه الطقس السياسي الذي تتقاسم من خلاله القوى الفائزة، الادوار والمواقع وتثبيت التوازنات والتوافقات داخل المنظومة السياسية، فالعملية الانتخابية جرت ضمن فضاء محكوم بقواعد نفوذ مسبقة ومتوقعة، فنتائج هذه الانتخابات لم تفرز تغييرا حقيقياً في بنية السلطة.

٢- تشكيل الحكومة وتسمية الرئاسات: سيكون في الغالب وفقاً للمدد الدستورية المحددة او حتى قبلها، خاصة بعد انضمام السوداني الى الاطار التنسيقي وترطيب الاجواء مع الكرد في زيارة قيادات بغداد الأخيرة الى محافظة دهوك، تراجع عدد الطعون الانتخابية والاقتناع بالنتائج على مستوى القوى الكبيرة، اختبار التجربة السابقة، وغياب التيار الصدري، كلها مرتكزات تعزز هذا المسار, مع ذلك يرجح استمرار التفاوض الطويل بسبب تكرار النمط التوافقي المتشابك، ما يعني ان الحكومة المقبلة ستكون مشابهة الى حد بعيد للحكومة السابقة.

٣- الصراع الأمريكي الإيراني: يطرح احتمال التأخير او التعطيل لتسمية الرئاسات وتشكيل الحكومة مع عودة صراع النفوذ بين واشنطن وطهران في العراق، "ورغم وجود تراجع نسبي للصراع الى حد ما"، في طبيعة هذا الصراع نتيجة المتغيرات الاقليمية وتراجع الاولويات والاهتمامات، خاصة في العملية الانتخابية الاخيرة، لكنه تراجع دون فك ارتباط، خاصة بعد تغريدة مارك ساڤيا حول عدم سماح واشنطن لاي تدخل خارجي في تشكيل الحكومة العراقية القادمة وهذا تدخل بحد ذاته يرسخ ان الصراع لازال قائماً بشكل او بآخر في مخرجات هذه الانتخابات عبر المحددات الاتية:

أ- تسعى ايران لضمان نفوذها في العراق عبر دعمها للكتل السياسية الفائزة المعروفة التي تمثل مصالحها، وستستخدم ورقة التأثير على مسارات تشكيل الحكومة كورقة مساومة تفاوضية مع واشنطن او ورقة ضغط للمواجهة عند الحاجة.

ب- الولايات المتحدة تراقب شكل الحكومة المقبلة لمحاولة كبح نفوذ الفصائل المسلحة وستحرص على تأييد ترشيح شخصية مقبولة بالنسبة اليها لمنصب رئيس مجلس الوزراء يمثل مصالحها اكثر من المصالح الايرانية، وقد تدعم ولاية ثانية للسوداني فهو يعد "مرشح توازن” وليس "مرشح جهة واحدة" "خاصة انه يمتلك علاقة جيدة مع ايران وتركيا وقطر"، ومن المحتمل ايضاً دعمها اي شخصية منفتحة عليها تحاكي شخصية السوداني.

ج- منصب رئيس مجلس الوزراء لازال محور توازن اقليمي بين واشنطن وطهران، مع دخول تركيا وقطر على خط التنافس والتدخل في هذا التوازن بشكل موازي، ما يعقد مشهد استرضاء المحاور الخارجية في تثبيت الاسم المرشح مع صعوبة الحفاظ على هذا التوازن في العمل مع هذه الفواعل الخارجية في حال منحه الثقة بعيداً عن هذه التدخلات، وهذا مستعبد.

هذه البيئة الاقليمية والدولية المتنافسة تجعل الانتخابات جزءاً من توازنات مؤثرة لمخرجات الانتخابات بشكل اوسع، من قدرة الناخب على التأثير فيها، ما يعزز فرضية المؤشرات التي اوردناها سابقاً.

 

الخلاصة والنتائج

لم تتمكن العملية الانتخابية من تحويل المنظومة السياسية الى نموذج يقوم على المنافسة البرامجية بل جعلت من الانتخابات عملية تؤدي الى النتائج الاتية:

١- الانتخابات: طقس سياسي لتثبيت السلطة والنفوذ.

٢- الانتخابات: اداة لاعادة تدوير النخب السياسية.

٣- الانتخابات: تأكيد لشرعية الزعامات والقيادات السياسية التقليدية.

٤- الانتخابات: اكدت استمرار هيمنة الاحزاب التقليدية واقصاء الاحزاب الناشئة والمدنية ونجاح وتمدد الاجنحة السياسية للفصائل المسلحة انتخابياً.

٥- الانتخابات: لا زالت مخرجاتها في تشكيل الحكومة وخاصة منصب رئيس مجلس الوزراء لا تعتمد على النتائج وعدد المقاعد في تحديد من يحكم بل تحدد حجم كل طرف في المفاوضات والتفاهمات والتوافقات.

٦- لا زال تحديد اسماء الرئاسات الثلاثة وخاصة منصب رئيس مجلس الوزراء وبعض المواقع العليا والحساسة خاضع "ولو بشكل اقل وضوحاً من المراحل السابقة" الى التنافس والصراع بين الفواعل الاقليمية والدولية في مخرجات الانتخابات العراقية.

مع ذلك يبقى هنالك امل محتمل لكسر نمطية المؤشرات والمسارات المذكورة، مع وجود فرص ضيقة للتغير لكن هذا التغيير ان حصل سيبقى بطيئاً.

.............................................

الآراء الواردة في المقالات والتقارير والدراسات تعبر عن رأي كتابها

*مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2025 Ⓒ

http://mcsr.net

د. احمد عدنان الميالي

د. احمد عدنان الميالي

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!