شنت إسرائيل هجمات مباغته في 13 حزيران/ يونيو طالت منشئات نووية مثل فوردو ونطنز واغتيال أكثر من عشرين شخصية عسكرية في وقت واحد كجزء من مخطط عسكري وسياسي استراتيجي، ويبدو من الفعل الهجومي الإسرائيلي الاولي انه كان أوسع واشمل من ذلك، ومع تلك الضربات وسعت إسرائيل حجم طموحها في قلب موازين القوى في المنطقة انطلاقا من إيران ولغرض مناقشة خلفيات حرب 12 يوما بين الكيان الإسرائيلي وإيران وما كانت تطوي عليه من اهداف وما ستتركه من تداعيات سنتوقف في تحليل ذلك على عدد من المحاور.
اولاً/ التخطيط المسبق للهجوم الإسرائيلي على إيران
اشارت وسائل اعلام غربية من إن إسرائيل بدأت التحضير لهجومها على إيران عام 2010، موضحة أن مراقبة تطوّر البرنامج النووي اعتمد على عملاء في مواقع عدّة، وذكرت المصادر نقلا عن مصدر استخباراتي أن: "إسرائيل كانت تراقب عددا من المواقع بواسطة عملاء استخبارات لسنوات، وكان هناك أشخاص حاضرون في كل موقع مسبقا، وبدأت التخطيط لهجومها على إيران منذ عام 2010 بناء على معلومات استخباراتية"، وأضافت: "نفذت العملية الإسرائيلية بالاعتماد على معلومات استخباراتية حول مواقع إنتاج أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم في 3 مواقع بطهران وأصفهان"، وتشير المصادر الى ان "المخابرات الإسرائيلية استعانت بجواسيس لتحديد منشآت تحت الأرض وفوقها تعمل باليورانيوم في نطنز، كما استهدفت إسرائيل البنية التحتية للكهرباء، ومبنى مركز أبحاث، ومحطة محولات، وقنوات تبريد في منشأة نطنز"، وذكرت أن: "إيران كانت تخطط لإنتاج ألف صاروخ أرض-أرض بعيد المدى شهريا، بهدف تجميع مخزون يصل إلى ثمانية آلاف صاروخ، وبحسب خبراء كان لدى طهران ما يفوق ألفي صاروخ باليستي وقت العملية الإسرائيلية".
ثانياً/ الأهداف المعلنة والخفية لهجوم إسرائيل على إيران
أعلنت إسرائيل في بادئ الامر انها كانت تهدف من هجومها على ايران تدمير المفاعل والمنشئات النووية خشية ان تمتلك ايران سلاحا نوويا في أسابيع قليلة وهي مقولة طالما يكررها نتنياهو منذ عقود، لكن من الضربات الجوية التي طالت عدد من القادة في الصنف الأول في القوات المسلحة الإيرانية من الحرس الثوري والجيش والاستخبارات والدفاع الجوي ارتفع حجم الأهداف الإسرائيلية ليشمل البرنامج الصاروخي الذي انهك إسرائيل ووجد حالة من الردع الإيراني في قبالة الهجمات الإسرائيلية، واهداف أخرى تتعلق بنفوذها الإقليمي ودعمها لحركات المقاومة في المنطقة، لتتحول إسرائيل الى هدف آخر يتمثل بأسقاط النظام الإسلامي في ايران والقائم على ولاية الفقيه.
ثالثاً/ من استهداف المنشأت الى محاولة اسقاط النظام
مع اشتداد حدة المواجهات الحربية بين الطرفين دخل هدف اغتيال المرشد الإيراني وهو اعلى سلطة سياسية في مقدمة الأهداف كجزء مهم لإسقاط النظام في إيران، وهذا ما أكد عليه اغلب المسؤولين في الكيان الإسرائيلي، اذ قال يسرائيل كاتس خلال تصريح لصحافيين في مدينة حولون قرب تل أبيب: "وجود نظام مثل نظام خامنئي أمر خطير جدا إذ تهدف أيديولوجيته إلى تدمير إسرائيل وهو يستثمر جميع موارد دولته باستمرار لتحقيق مثل هذا الهدف". وأضاف "لا يمكن السماح لمثل هذا الشخص بالبقاء". وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد قال في وقت سابق: "إن اغتيال المرشد الأعلى الإيراني، من شأنه أن يضع حدا للنزاع بين الخصمين اللدودين"، وقد صرح نتنياهو في مقابلة صحفيه عندما سُئل عن التقارير التي تفيد بأن الرئيس دونالد ترامب عارض خطة إسرائيلية لاغتيال المرشد الايراني خشية أن يؤدي ذلك إلى تكثيف المواجهة بين إيران وإسرائيل، "إن هذا لن يؤدي إلى تصعيد النزاع، بل سيضع حدا للنزاع".
رابعا/ الرفض الدولي لمخطط اسقاط النظام
واجهت دعوات الجناح المتطرف داخل إسرائيل في قتل المرشد الإيراني واسقاط النظام في ايران كجزء من خطط نتنياهو فيما اسماه باستكمال الشرق الأوسط الجديد، واجهة تلك الدعوات متباينة لكن اغلبها تركز على ان هذا الهدف سيدخل إيران والمنطقة في تداعيات خطيرة قد تقود الى تفكك دول عديدة ومنها ايران لصالح مشروع إسرائيل التوسعي في المنطقة.
من هنا واجهت محاولة إسرائيل اغتيال المرشد برفض شعبي ورسمي داخل إيران ورفض إسلامي لاسيما من مرجعية النجف الاشرف، حيث رفضت المرجعيات الدينية في بيانات رسمية قتل العلماء والقادة في ايران، وعلى الصعيد الدولي هناك خشية من ان تقود عملية الاغتيال واسقاط النظام الى تداعيات خطيرة، اذ قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: "إن الولايات المتحدة على علم بالمكان الذي يختبئ فيه خامنئي، لكن لن نقضي عليه، على الأقل ليس في الوقت الراهن". وردا على سؤال حول رد فعله إذا ما اغتالت إسرائيل المرشد الايراني بمساعدة الولايات المتحدة، قال بوتين: "لا أريد حتى مناقشة هذا الاحتمال، لا أريد ذلك".
وفي نفس السياق، أكد مسؤولان أمريكيان إن الرئيس دونالد ترامب رفض في الأيام القليلة الماضية خطة إسرائيلية لاغتيال المرشد الأعلى الإيراني، وبدوره رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مناقشة احتمال اغتيال الزعيم الإيراني على يد إسرائيل والولايات المتحدة، وقال: "إن المجتمع الإيراني يتكاتف حول القيادة في طهران"، وشدد الرئيس الروسي على البحث عن سبل لإنهاء الأعمال القتالية بطريقة تضمن حق إيران في امتلاك قدرات نووية لأغراض سلمية وحق إسرائيل في الأمن غير المشروط.
ولا تخفي إسرائيل رغبتها في إطاحة نظام ولاية الفقيه الذي تقوم عليه إيران منذ الثورة الإسلامية سنة 1979، لكن رهانها محفوف بالمخاطر في ظل الانقسام السائد في أوساط المعارضة الإيرانية وانعدام ضمانات أن يكون الحكم الجديد أقلّ تشددا، بحسب محللين فبعد استهداف مواقع ليست منشآت نووية أو لصواريخ بالستية، من قبيل هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، ازدادت التكهنات بشأن أهداف إسرائيل الفعلية، التي لا تقتصر على تقويض القدرات الذرية والبالستية لإيران، بل تتخطاه لتشمل أيضا إطاحة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ختام قمة مجموعة السبع في كندا: "أكبر خطأ اليوم هو السعي إلى تغيير النظام في إيران بسبل عسكرية لأن ذلك سيؤدي إلى الفوضى"، وأردف: "هل يعتقد أحد أن ما حصل في العراق سنة 2003 أو ما حصل في ليبيا في العقد الماضي كان فكرة سديدة؟ لا!". ويشير خبراء إلى أن إطاحة خامنئي وحاشيته قد تحدث فراغا من الممكن أن يسده عناصر متشددون من الحرس الثوري أو القوات المسلحة.
ومما تقدم، فأن الحرب الإسرائيلية على ايران تبدو أهدافها المعلنة تحييد البرنامج النووي لكن هناك ما هو ابعد من ذلك، تريد من خلاله الحكومة في إسرائيل والتيار المتطرف الحاكم الى استكمال الشرق الأوسط الجديد انطلاقا من ايران، وهو مشروع يبدو حتى الامريكان بقيادة ترامب اقرب الحلفاء الى إسرائيل تتحفظ عليه؛ لما يتضمن من مخاطر جسيمة قد تقود الى تفكك دول وصراعات داخلية، بالإضافة الى عوامل أخرى ساهمت في تأجيل اهداف إسرائيل خصوصا فيما يتعلق بهدف اسقاط النظام في ايران، ومنها قوة الردع الصاروخي لإيران الذي طال كل مدن إسرائيل لأول مرة منذ تأسيسها في الاربعينيات.
تعكس هذه الحرب حدود القوة العسكرية في تحقيق التغيير السياسي في بيئة إقليمية معقدة، وتكشف أن إسقاط الأنظمة بالقوة في الشرق الأوسط لا يزال رهانًا محفوفًا بالمخاطر، حتى في ظل دعم قوى كبرى، تظل إسرائيل أمام معادلة جديدة: الردع المتبادل، لا الهيمنة المطلقة.
اضافةتعليق