دونالد ترامب: سَقَطَاته الدبلوماسية ترسم حركته في كل من روسيا والشرق الأوسط

شارك الموضوع :

بقلم الكاتب: برايان كاتوليس- زميل أقدم في معهد الشرق الأوسط

 

عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى منطقة الراحة، متحدثاً بغضب عبر الإنترنت إلى الصحفيين عن حرب روسيا المستمرة ضد أوكرانيا، وهو نفسه الذي وعد قبيل انتخابه رئيسا بقدرته على إنهاء الحرب في أوكرانيا خلال "24 ساعة"، نعم لقد كانت الأسابيع الأولى من سياسته الخارجية تركز على الوفاء بهذا الوعد، لكن جهوده لم تحقق النتائج المرجوة، ليستمر النزاع على وتيرته السابقة.

مثل هذه المفارقة في نطاق السياسة الخارجية الأمريكية ليست أمرا جديدا، فجميع الرؤساء الأمريكيين السابقين لم يعيشوا أجواء طموحاتهم العالمية المعلنة حتى النهاية، ولكن الفشل المتكرر على جبهات متعددة يمكن أن يؤثر بشكل سلبي على مناطق أخرى، ومع استمرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتندر على ترامب، سيتابع الخصوم والمنافسون الأمريكيون في جميع أنحاء العالم بانتباه ما سيفعله الرئيس الأمريكي بعد ذلك.

ولأن الشرق الأوسط هو مسرح رئيسي للمنافسة العالمية، لاسيما مسألة إيران والقضية الفلسطينية- الإسرائيلية، فما زالت عثرات ترامب في قضايا السياسة الخارجية الأخرى تؤثر على مدى تقدير أصدقاء أمريكا وأعدائها لجهوده في المنطقة، وفي هذا السياق مازالت إحباطات ترامب بخصوص عجزه عن وقف إطلاق النار، وإجبار الزعيم الروسي على الطاعة تعلن عن نفسها في الأسابيع الأخيرة، لقد قال ترامب للصحفيين في احد المؤتمرات الصحفية: "لا أعرف ماذا حدث لبوتين"، ونشر لاحقاً عبر الإنترنت تدوينة تقول: "إن الرئيس الروسي أصبح مجنونًا تمامًا"!، فعلى عادة ترامب، حين تفشل معالجاته للأمور فإنه يلجأ إلى استخدام لغة ساخرة، ولكن المشكلة الرئيسية في طريقته اللاذعة أنها مهما بلغت من قوة في تحويل الانتباه العام وتسيد المشهد الإعلامي (ترند)، فإنها في كثير من الأحيان لا تنتج مكاسب ملموسة أو نتائج واضحة في العالم الحقيقي.

إن تصريحات ترامب المثيرة للجدل ما تزال أقل من أن تفعل شيئًا لمعالجة القضايا الأساسية للحروب أو النزاعات التي ما تزال من دون حل، سواء في أوكرانيا أو في ما يخص حروب ترامب التجارية تلك التي افتعلها هو بنفسه، لقد تراجع هذا الرجل في الجبهة التجارية، فعمد للضغط على زر الإيقاف مؤقتاً في تحصيل الرسوم الجمركية ضد المحركات الرئيسية الأخرى للاقتصاد العالمي، في كل من الصين وأوروبا، مع هذا بقي شبح الأسعار يراوح في مكانه.

نعم، لقد تحسنت وضعية ترامب السياسية الداخلية في شهر حزيران الجاري بعد أن انخفضت بشدة في نيسان، وذلك نتيجة لرحلته الموفقة إلى الشرق الأوسط! ثمة عامل رئيسي يساعد في تحديد قاعدة ترامب الشعبية -وفقا لأبحاث حديثة- هو أن العديد من أشد أنصاره لا يتابعون الأخبار أو التفاصيل متابعة دقيقة! ولكن مع مرور الوقت، ستبدأ تلك التفاصيل في الانتشار بشكل أوسع في الوعي العام، وسيجري تشكيل وضعية ترامب السياسية بناءً على ما إذا كان نهجه يحقق النتائج أم لا، والحدث الرئيسي التالي لمراقبة أدائه هو مصير مشروع الضرائب والموازنة الذي يحاول حاليا دفعه إلى الكونغرس.

ينتمي نهج السياسة الخارجية لترامب، في بعض الأحيان إلى عصر "دوائر النفوذ" التي مارستها القوى الكبرى في القرن التاسع عشر، يقابله سلوك متقلب في الدبلوماسية، على حد تعبير الدبلوماسي الأمريكي دينيس روس طرحه أمامي عبر بودكاست عُرض في وقت سابق من هذا الشهر.

من المحتمل أن تخفيضات ترامب الأخيرة في طاقم مجلس الأمن القومي، وهو الجهة الأساسية التي تنسق السياسة بين الوكالات، من المحتمل أن تؤثر على مدى فعالية إدارة سياسته الخارجية وكفاءتها في مدة لاحقة على أوضاع إيران وفلسطين وإسرائيل، وهما المتغيران الأساسيان غير المحسومين في معادلة الشرق الأوسط حتى الآن.

إن غياب نتائج كبيرة في ملف الدبلوماسية مع روسيا يرسل إشارات إلى أنحاء العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط، عن فشل ترامب في تحقيق أهدافه المعلنة، إلى ذلك فإن سجل ترامب في الشرق الأوسط خلال أول ثلاثة أشهر له في حكم البيت الأبيض كان مختلطًا؛ وعلى الرغم من أن زيارته إلى المنطقة في شهر اذار/مايس الماضي كانت مليئة بالإعلانات التجارية لكنها لم تسفر عن تقدم كبير في استقرار المنطقة.

فمازالت المعادلة المعقدة للشرق الأوسط اليوم تتمحور حول المتغيرين الأساسين اللذين ما يزالان غير محسومين والمقصود بهما إيران والجبهة الإسرائيلية، وما يزال من غير الواضح طبيعة المسار الذي ستتخذه إدارته حيال هذين الملفين.

فيما يخص إيران، قد تكون العودة الى المحادثات معلقة، ويبدو أن ترامب يرى أن العودة للمحادثات إلى حين إبرام صفقة ما أفضل من أي خيار عسكري، وقد ورد أنه حذر إسرائيل من اتخاذ خطوات قد تفسد هذا الاتفاق المحتمل بصرف النظر عن المخاوف القديمة بشأن أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة! وعلى الرغم من أن ترامب عقد صفقة منفصلة مع الحوثيين شركاء إيران في ربيع هذا العام لكن إسرائيل ما تزال تواجه هجمات حوثية مستمرة!.

إن ملف فلسطين- إسرائيل هو الحلقة الأضعف في نهج ترامب تجاه الشرق الأوسط، فقد دخل ترامب الرئاسة أثناء عملية وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس، لكن العملية انهارت قبل أكثر من شهرين، مع إعلان إسرائيل نيتها السيطرة على 75% من غزة في عملية عسكرية ماتزال مستمرة، ومع أن إسرائيل قالت إنها قضت على قيادي كبير آخر في حماس، لكن التكلفة البشرية والتأثير الإنساني لهذه العمليات يستمران في التصاعد، وما تزال جهود الإغاثة تفشل في إيصال الطعام والمساعدات إلى فلسطين وغزة جراء الحصار الإسرائيلي الكامل المضروب على هذه المنطقة منذ شهور، وكذلك ما تزال المحادثات جارية بخصوص إبرام اتفاق وقف إطلاق نار جديد وتبادل للأسرى؛ لكن لم يتضح حتى الآن فيما إذا كان فريق ترامب قادرًا على تحقيق نتيجة دائمة تنهي القتال وتعيد الرهائن المتبقين إلى ديارهم.

صحيح أن عمر الإدارة الثانية لترامب ما تزال في بواكيرها الأولى، لكن غياب نتائج واضحة وإيجابية بخصوص جهود دونالد ترامب لإنهاء حرب روسيا ضد أوكرانيا لا تبشر بالخير، تماما كما هو الحال في طموحاته لحل النزاعات في الشرق الأوسط بطريقة تجعل أمريكا وشركائها -كما يزعم- أكثر أمنًا وازدهارًا!.

.............................................

الآراء الواردة في المقالات والتقارير والدراسات تعبر عن رأي كتابها

*مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2025 Ⓒ

http://mcsr.net

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز المستقبل