دوافع سياسة ترامب إزاء إيران وتداعياتها المحتملة

شارك الموضوع :

ما قام به الكيان الصهيوني من ضربات عسكرية لمواقع نووية إيرانية في 13 حزيران/ يونيو 2025، جاءت بتنسيق ردعي مع الولايات المتحدة الامريكية دون تدخل مباشر، وذلك لأسباب استراتيجية وسياسية ودينية، أما الدينية منها، فهي اشتراك فكري بين الصهيونية المسيحية التي يجسدها الرئيس الامريكي دونالد ترامب وفريقه الحالي، والتي تعتقد أن قيام دولة اسرائيل الكبرى تقتضي عودة المسيح وإيمان اليهود به، أما اليهودية الصهيونية فإنها تعتقد أن قيام دولتها الكبرى (من النيل إلى الفرات) سيظهر المسيح الحقيقي بآخر الزمان والذي سوف تؤمن به، وبالتالي يجمع كلا الطرفين معتقد ديني له دوافعه وغاياته.

أما في البعد السياسي، فإن رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو الطامح لهيمنة الكيان على الشرق الأوسط وتفرده كقوة عظمى فيه، دونما منافس أو منازع، وإن ثمة عقبة متبقية في مشروعه هو إيران، وما تمثله من ثقل سياسي عسكري عقائدي في المنطقة، يحول دون تحقيق أهدافه، فضلاً عن سعيه للبقاء في السلطة لأطول فترة، بعيداً عن القضاء الذي يلاحقه بتهم الفساد، هذا ما دفع به إلى الرغبة في شن حرب على إيران بذريعة تدمير مفاعلها النووي، ومصانع ومنصات صواريخها بعيدة المدى، وقد عبر بعد يومين من عدوانه في تصريح له بأنه بعد قطع أذرع الأخطبوط -ويقصد أذرع إيران- في لبنان واليمن وسوريا، حان وقت ضرب الرأس.

ترامب بدوره، الذي كان يدعو للمفاوضات، وهي في حقيقتها طلب استسلام إيراني، لمطالبه بالتخلي عن برنامجها النووي، وقدراتها الصاروخية، وهذا يعني حتماً نهاية النظام الإيراني، وقد مارس عملية خداع لإيران، ففي الوقت الذي يستعد كلا الوفدين الإيراني والأمريكي لعقد اجتماعاً تفاوضياً سادساً في العاصمة الإيطالية روما، أعطى أوامره أو موافقته للكيان الصهيوني بضرب إيران، وكان له في ذلك مجموعة أهداف منها:

1- انصياع إيران السريع والمباشر لمطالبه عبر استخدام القوة بذراع ضاغط ضارب آخر، يمتلك مفاتيح حركته وفعله، وقد أعلن عن هذا منذ تسنمه منصبه بما أسماه السلام بالقوة.

2- يظهر للعالم أنه ليس رجل حرب، بعد أن حقق الاتفاق مع إيران، وأوقف الحرب بين الكيان وإيران، وهي حرب كان من الممكن أن تتسع وتهدد الأمن والسلم الدوليين، ويكون ذلك، بعد تم تدمير برنامج إيران النووي واسلحتها الصاروخية بواسطة الكيان، ويمكن لحلمه أن يكتمل بجائزة نوبل للسلام، والتي يتطلع لها بشغف شديد، بدافعين هما نزعته الشخصية في التعالي والتباهي، وغيرته وحسده للرئيس الامريكي الأسبق باراك أوباما.

3- في حال عدم نجاحه في هذا المسعى، ولم يتسن له إخضاع إيران وانصياعها، فإنه سيطيل أمد الحرب، لانهاك إيران واستنزاف قدراتها العسكرية وتدمير بناها التحتية ومشاريعها الاستراتيجية، وبالتالي ضعفها في مواجهة قواته، لحظة تدخلها لحسم الحرب، بتوجيه ضربات عسكرية سريعة قوية مدمرة، قد تسفر في تصوره عن استسلام إيران أو إسقاط نظامها، ومن هنا حرك بعض من حاملات الطائرات لمنطقة الخليج العربي لرفع الضغط على إيران لأقصى درجاته، واستعداداً لتنفيذ هجومه الكبير عليها، ولضمان أمن الكيان الذي بات يئن ويستغيث من وقع الضربات الصاروخية الإيرانية على مدنه ومنشآته الحيوية وبناه الإستراتيجية.

4- يعتقد ترامب بعد تحقق ما ارتسمه ونفذه من خيارات أو بدائلها، سيجعل من بقية الدول والقوى الإقليمية والدولية تذعن لمطالبه، سواء في موافقتها على ما فرضه من رسوم كمركية عليها أو ترضى بمطالبه بفتح أسواقها للصناعات والبضائع الأمريكية، ورفع عملتها أمام الدولار، ليزيد من صادرات بلاده، ويعزز دور وفاعلية مصانعها وسهولة توريد منتجاتها، وبما يعود ذلك على إنعاش الاقتصاد الأمريكي، وتحقيق شعاره أمريكا عظيمة مجدداً، فضلاً عن سيطرته المطلقة على مصادر الطاقة في منطقة الخليج وتحكمه في الاقتصاد العالمي، ذلك من خلال استخدامه كسلاح بوجه الدول المنافسة كالصين التي يسعى بالأساس إلى محاصرتها وتحجيم دورها الاقتصادي في العالم، كي لا تبرز كقطب آخر في قيادة العالم أو تحل محل بلاده، وتزيحها من عرش القيادة والهيمنة العالمية.

في الختام، قد يحول دون تحقق هذه الأهداف جملة عوامل:

1- إن تفشل الولايات المتحدة أو الكيان الصهيوني في تحقيق نصر سياسي أو عسكري بصمود إيران، أو تعرض قواته إلى ضربات موجعة وخسائر كبرى يصعب عليه تحمل كلفتها.

2-  أن تكون هناك ضغوط دولية كبرى، أو تحالفات إقليمية أو دولية مع إيران تحول بينه وبين ما يرنو إليه.

3-  أن تكون إيران قد امتلكت سلاحاً نووياً وتعلن عنه.

تأصيلاً على ما تقدم، ليس هناك ما يركن إليه من قدرة ترامب على بلوغ مقاصده، إذ ليس للقوة العسكرية وحدها أن تحقق الغلبة، فقد تفشل في بلوغ نصر أو درء هزيمة، وقد شهدت الولايات المتحدة هذا في تاريخها المعاصر، في فيتنام والعراق والصومال وأفغانستان، وربما أن دخولها الحرب سيجرها إلى هزيمة، في ظل ما تعانيه من أزمات داخلية اجتماعية واقتصادية ومالية، قد يؤدي إلى التفكك أو انفصال بعض الولايات الكبرى مثل كاليفورنيا، وما شهدته مؤخراً من اضطرابات واسعة، اضطر ترامب للاستعانة بقوات عسكرية فدرالية، له شاهد حي على ذلك.

.............................................

الآراء الواردة في المقالات والتقارير والدراسات تعبر عن رأي كتابها

*مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2025 Ⓒ

http://mcsr.net

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز المستقبل