المقاربات الاسرائيلية اتجاه قطاع غزة بعد المواجهة العسكرية مع ايران

شارك الموضوع :

مع انطلاق الهجوم الإسرائيلي على ايران في ١٣/٦/٢٠٢٥، تراجع الاهتمام الدولي بالاوضاع في قطاع غزة، ما ادى الى جمود سياسي واضح، خاصة في ظل توقف المحادثات التي كانت جارية بشأن مبادرة المبعوث الامريكي ويتكوف لوقف اطلاق النار، رغم ان الجيش الإسرائيلي واصل غاراته الجوية على القطاع، مع التركيز على استهداف الفلسطينيين عبر نقاط الاغاثة الانسانية اثناء توزيع المساعدات، دون ان يتحقق اي تقدم ميداني ملموس، ما افرز مشهداً يعكس حالة جمود مزدوجة عسكرياً وسياسياً.

وهذا الجمود ينبثق من اولويات الجيش الإسرائيلي ابان المواجهة مع ايران والتركيز عليها، التي استمرت اثنى عشر يوماً، فلم تُوسع اسرائيل عملياتها البرية في قطاع غزة، واكتفت بسلسلة من الضربات الجوية اليومية، خصوصاً في جنوب القطاع؛ ويرجع هذا الجمود العسكري الى قرار الجيش الاسرائيلي اعادة نشر بعض قواته من غزة الى الجبهات الشمالية والشرقية، تحسباً لاحتمال انخراط حزب الله في الحرب او تسلل مجموعات مسلحة الى داخل إسرائيل عبر الحدود الاردنية.

وفي ظل هذا التحول، اعتبر الجيش الاسرائيلي ان الجبهة الإيرانية باتت الجبهة المركزية، بينما تراجعت غزة إلى مرتبة الجبهة الثانوية، وعلى الرغم من وجود اربع فرق عسكرية عاملة داخل القطاع، فإن هدفها لم يكن توسيع نطاق السيطرة على اراضي جديدة، بل تأمين المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش، لاسيما مراكز توزيع المساعدات، حتى الداخل الاسرائيلي تراجع اهتمامه بقضية غزة رغم التأكيد على الاسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس، عبر عائلاتهم، فقد فرضت الحرب مع ايران واقعاً أمنياً صعباً، حظر التجمهر واوقف الفعاليات الاحتجاجية التي كانت تتمحور حول هذه القضية، كما تراجع تناول الاعلام الاسرائيلي والاجهزة الامنية لها.

لكن مع نهاية المواجهة العسكرية بين اسرائيل وايران، التي شكلت محطة مفصلية في الصراع الإقليمي، بدأ الاهتمام الدولي والاقليمي والاوساط الاسرائيلية يتصاعد اتجاه غزة، الذي بدأ من خلال الولايات المتحدة الامريكية ودول اوربية والامم المتحدة تضغط باتجاه ضرورة التوصل الى وقف العمليات العسكرية الاسرائيلية على قطاع غزة والتوصل الى هدنة.

وتبرز ثلاثة مقاربات رئيسة داخل اسرائيل حول كيفية التعاطي مع ملف قطاع غزة، في ضوء المتغيرات الجديدة التي افرزتها الحرب، وخصوصاً ما ترتب عليها من تراجع في النفوذ الايراني وساحات المقاومة المختلفة، وتبدل اولويات المجتمع الدولي.

المقاربة الاولى/ اخضاع حماس او الحسم العسكري الكامل في قطاع غزة

يركز دعاة هذه المقاربة الى استثمار مناخ التصعيد مع ايران والدفع نحو تشديد المطالب مع حركة حماس، لتشمل الافراج الكامل عن جميع الاسرائيليين المحتجزين، أحياءً وأمواتاً، الى جانب نزع سلاح الحركة بشكل كامل، كشرط اساسي لوقف اطلاق النار، ويرى دعاة هذه المقاربة ان على اسرائيل، في حال رفضت حماس هذه المطالب، ان تمضي نحو تنفيذ ضربة عسكرية شاملة في القطاع، بهدف القضاء النهائي على حكم حماس، وتنفيذ المرحلة الحاسمة من خطة (عربات جدعون)، ويستند هذا التصور إلى الاعتقاد بأن تراجع الدعم الايراني لحماس، وانشغال العالم بنتائج الحرب مع ايران، يوفران فرصة استراتيجية لإسرائيل لإنهاء معضلة غزة عسكرياً، مع استعادة حد مقبول من الغطاء الدولي.

المقاربة الثاني/ تسوية شاملة وتحرير الرهائن

يركز دعاة هذه المقاربة على ضرورة اغلاق ملف غزة سياسياً من خلال التوصل الى اتفاق شامل يتضمن الافراج عن جميع المحتجزين الاسرائيليين، وتبني المبادرة العربية مع بعض التعديلات، كما يركز دعاة هذه المقاربة على اهمية استغلال حالة الضعف المتزامنة لكل من ايران وحماس، باعتبار ان المعركة الاساسية التي هددت الوجود الإسرائيلي تمثلت في المواجهة مع ايران، والتي انتهت –وفق هذا التصور– بانتصار اسرائيلي تاريخي، ويرى اصحاب هذا الرأي ان بإمكان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، استثمار هذا النصر لإنهاء التهديد في غزة من خلال تسوية سياسية، من دون ان يتكبد تكلفة سياسية داخلية، بل ربما يعزز شعبيته بإطلاق سراح المحتجزين بوسائل دبلوماسية بعد النصر العسكري الاقليمي حسب وجهة نظرهم.

المقاربة الثالثة/ تبني صفقة جزئية مؤقتة لتثبيت المكاسب

ترجح هذه المقاربة ضرورة التوصل الى صفقة جزئية مؤقتة مع حركة حماس تقوم على قاعدة مقترح المبعوث الامريكي ويتكوف، مع تقديم بعض التنازلات مثل القبول بإدخال مساعدات انسانية دون انسحاب فوري، وتقوم هذه المقاربة على فكرة الحفاظ على الزخم الدولي الذي كسبته اسرائيل عقب الحرب مع ايران، وتفادي الدخول في مواجهة واسعة النطاق في غزة في الوقت الراهن، ويُراهن اصحاب هذا الطرح على ان حركة حماس، بعد التراجع النسبي للدعم الايراني، قد تُبدي مرونة في التعامل مع المبادرة، كما فعل حزب الله سابقاً حين قَبِل باتفاق وقف اطلاق النار عندما شعر بالعزلة وتراجع الدعم والاسناد، وبذلك يمكن لإسرائيل كسب الوقت وتثبيت مكاسبها دون الانزلاق إلى حرب استنزاف جديدة او مواجهات عبثية لن تحقق اختراقاً في ملف الرهائن، وتضعف واقع الاستقرار داخل الاراضي المحتلة.

وفي ضوء هذه المقاربات الثلاثة، يُتوقع ان يمارس الرئيس الأميركي ترامب ضغطاً على نتنياهو لوقف الحرب في قطاع غزة، في اطار سعي واشنطن الى تهدئة الجبهات الاقليمية بعد ضربتها الاستراتيجية في ايران. ومن المرجح ان يلتزم نتنياهو بهذا التوجه، حتى ان ترتب على ذلك تفكك الائتلاف الحاكم، اذ تشير استطلاعات الرأي الى ان شعبيته لم تتراجع بعد الحرب، كما يزداد التمثيل المحتمل لحزب الليكود ومكوناته في الكنيست في حال جرت انتخابات مبكرة، وعلى هذا الاساس، قد يرى نتنياهو ان الذهاب الى انتخابات جديدة مبكرة -اذا لزم الامر- سيكون في صالحه، مدعوماً بما يعتبره انجازاً تاريخياً تحقق خلال السنتين الماضيتين، لكن حتى في حال لم يتجه فوراً الى انتخابات، فأن موقعه السياسي يبدو انه اصبح اكثر قوة، ما يُضعف قدرة اليمين المتطرف الذي يرفض التهدئة مع حماس على فرض خياراته، ومن المتوقع ان تتجه اسرائيل، تحت هذا الغطاء السياسي الجديد، الى الانخراط في مسار تفاوضي لبحث وقف اطلاق النار في غزة، على الاقل بشكل جزئي، وربما كمرحلة اولى لاستعادة بعض المحتجزين الإسرائيليين، وتخفيف الضغط الدولي المتزايد الناتج عن استمرار العمليات العسكرية في القطاع.

ان هذا المسار التفاوضي قد يخدم اسرائيل في حال قررت استئناف الحرب لاحقاً، اذ ستكون قد عززت شرعيتها امام المجتمع الدولي، في حال رفضت حماس شروط التسوية التي يتبناها الوسطاء، وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية، بشأن ترتيبات اليوم التالي في قطاع غزة.

لذلك تؤكد المؤشرات السياسية والعسكرية إلى ان اتفاق وقف اطلاق النار بين اسرائيل وايران يُمهد الطريق امام تفاهم محتمل بشأن غزة، ومن المرجح ان يسعى نتنياهو للتوصل الى اتفاق يؤدي الى تحرير المحتجزين الإسرائيليين، دون ان يتكبد ثمناً سياسياً امام شركائه في اليمين المتطرف.

كما من المتوقع ان تكون اسرائيل اكثر مرونة في القبول بصفقة جزئية او هدنة في غزة، مستفيدة من التراجع النسبي في دعم حماس، والضغوط المتزايدة عليها من قبل الوسطاء الإقليميين والدوليين، خاصة في اعقاب تخلي إيران عن دعمها النشط للحركة بعد الحرب، ويرجح ان تُقبل اسرائيل على مفاوضات مع حماس خلال فترة الهدنة، بهدف الدفع نحو صيغة معدلة من مقترح ويتكوف، حتى لو لم تُلبى جميع شروط الحركة.

وفي المقابل، فأن الموقف الاميركي بعد مشاركته في الضربة ضد ايران، سيؤثر بشكل كبير في قرارات اسرائيل المستقبلية، فالإدارة الاميركية بقيادة ترامب ستكون حريصة على منع تجدد التوترات في غزة، ما يعني ان قدرة اسرائيل على المناورة السياسية والعسكرية ستكون اكثر تقييداً، خصوصاً بعد ان أصبحت واشنطن شريكاً مباشراً في الحرب الاسرائيلية على ايران.

.............................................

الآراء الواردة في المقالات والتقارير والدراسات تعبر عن رأي كتابها

*مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2025 Ⓒ

http://mcsr.net

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز المستقبل